" هكذا توقفت عن الاختيار بين ايطاليا والهند واندونيسيا . وأقررت في النهاية أنني أود السفر إليها جميعًا . أربعة أشهر في كل منها , ما مجموعه عام كامل. بالطبع, كان هذا الحلم طموحًا أكثر بقليل من رغبتي بشراءعلبة أقلام جديدة . ولكن كان هذا ما أردته. كما عرفت أنني أود الكتابة عنه. إلاّ أن ما أسعى إليه ليس استكشاف تلك البلدان, لقد سبق وتم ذلك. ما أردته في الواقع هو أن أستكشف بعمق ناحية معينة من ذاتي في إطار كل تلك البلدان, في مكان اعتاد تقليديًا على اتقان ذلك الشيء. أردت استكشاف فن المتعة في ايطاليا, وفن التأمل في الهند , وفي أندونيسيا, فن الموازنة بين الاثنين.ولم ألاحظ سوى لاحقًا, بعد الإقرار بهذا الحلم, أن كلا من هذه البلدان يبدأ ( بالإنكَليزية)بالحرف I ( أي : أنا ). وهي اشارة تبشر بالخير على ما بدا لي في تلك الرحلة من البحث عن الذات "
بقي القول أن هذا الشخص هو الكاتبة الصحفية الأمريكية : اليزابيث كَيلبرت التي عانت من حياتها العاطفية في مرحلتين : دمار زواجها وقصة رومانسية اشبه بالخيال انتهت أسوأ من الطلاق .. في إثر هذا تبدأ رحلتها في البحث عن الذات ...
حاولت البدء في كتابة تقرير عنه مراتٍ لا تحصى .. لم أتصور أنه بهذه السهولة .. حقًا المزاج, النفسية و البيئة ... تؤثر بشكل كبير !!
قسمت كتابها إلى ثلاثة فصول : طعام | ايطاليا , صلاة | الهند , و حب | اندونيسيا .. يمتزجون في مسباح الـ ( الجابا مالاس ) ذات الـ 108 حبة بالإضافة الى الحبة التاسعة بعد المئة التي بدأت فيها في المقدمة ...
---------------------
طعام | ايطاليا \ 36 حكاية عن السعي إلى السعادة الداخلية :
هذا الفصل أكثر ما أحببته في الكتاب ..
صعوبة كبيرة في التحدث بالايطالية , جيوفاني .. لوكا سباكَيتي ...المطاعم التي زارتها ..نظرة الشعب للمطلقة .. تجربتها مع مشاهدة مباراة كرة قدم ...صراعها مع الاكتئاب ...والجميل أنها حين تريد معرفة شيء تذهب للبحث عنه في المكتبة أو غيرها لتأتيك بصفحات ممتعة من التاريخ ..
- تحدث الايطالية حلمها, لا أخفيكم اني تحمست أكثر لتعلم الفرنسية منذ ان قرأتُ ماقالت دفاعًا عنها ,فمثل هذا القول يتردد صداه في مسمعي :
" لمَ يجب أن يكون لكل شيء في الحياة وظيفة عملية ؟ ... هل يفترض بنا أن نحيا لتأدية واجباتنا وحسب ؟وهل أحتاج في هذه المرحلة المظلمة إلى مبرر لتعلم الايطالية عدا كونه الشيء الوحيد الذي يجلب لي السعادة في الوقت الحاضر ؟ "
-الجميل في كتاباتها أنها لاتكتفي بالاسلوب الممل لسرد قصتها, انها تنسج لك الكثير من الكلمات التي تتراقص في قصة لطيفة في مواضع كثيرة :
" شعرت بروحي ترتفع وكأنها شفافة على أثر ذاك الانشاد . وعدت إلى المنزل تلك الليلة وأنا أشعر بأن الهواء يمكنه اختراقي وكأنني قطعة من الملابس القطنية النظيفة التي ترفرف على حبل الغسيل, وكأن نيويورك نفسها أصبحت مصنوعة من ورق الأرزّ, وأنا خفيفة جدًا إلى حد أنني أركض فوق أسطح المنازل. "
-قبل رحلتها لايطاليا كانت قد زارت اندونيسيا من أجل عملها , وعند كاهن -ربما تخطى المئة سنة - تأتي هذه الصورة الشاعرية, القوية, المليئة بالحكمة, و أنا احاول ان أرى بخيالي ما رأته :
" كان الرسم لكائن بشري يقف مصليًا ويداه مشبوكتان . ولكن كان لذاك الكائن أربع أرجل ولم يكن له رأس. فمكان الرأس, كان ثمة أزهار وحشائش بريّة . فيما ظهر وجه صغير مبتسم فوق القلب .قال كيتوت من خلال المترجم : " لتجدي التوازن الذي تبحثين عنه, عليك أن تصبحي كذلك. عليك أن تقفي على الأرض وكأن لديك أربع أرجل عوضًا عن اثنتين . بتلك الطريقة يمكنك البقاء على الأرض . ولكن ينبغي أن تتوقفي عن النظر إلى العالم من خلال رأ سك , وأن تنظري من خلال قلبك . هكذا ستعرفين الله " "
-من الأقوال الايطالية :
" جميلة تلك العبارة : il bel far niente أي جمال عدم فعل شيء. فهو هدف كل العمل , الإنجاز النهائي الذي يستحق التهنئة. وكلما تفننت وابتهجت من عدم فعل شيء, كلما كانت انجازات حياتك اكثر سموًّا. وليس من الضروري أن تكون غنيًا لتختبر ذلك . فثمّة عبارة ايطالية اخرى رائعة : l'arte d'arrangiarsi , أي : فن صنع شيء من لاشيء "
- جمال التبادل الثقافي, اللغوي ! :
" أخبرته بأننا نقول أحيانًا بالإنكَليزية : لقد كنت هناك. لم يفهم العبارة في البداية : كنتُ أين ؟ فشرحت له بأن الحزن العميق يشبه أحيانًا موقعًا معينًا , على خريطة زمنية . وحين تقف في غابة الحزن تلك, لايمكنك أن تتخيل بأنك تستطيع ايجاد الطريق إلى مكان أفضل, ولكن إن أكد لك شخص آخر بأنه وقف في المكان نفسه وأنه تمكن من الخروج منه , تشعر بشيء من الأمل أحيانًا ...
بالمقابل أخبرني جوفاني بأن الايطاليين يقولون l'ho provato sulla mia pelle أي : اختبرت ذلك على جلدي. ما يعني أنني حُرقت أو لُدغت بهذه الطريقة وأنني أعرف تمامًا ما تمر به "
وأكثر كلمة أحبتها - وأنا أيضًا - يقولها الاصدقاء حينما يريدون عبور الشارع, إلا أنها وجدتها أعمق من ذلك , بالتأكيد سيكون هذا شعاري منذ الآن : " Attraversiamo وتعني لنعبر الشارع "
- كما اعجبتني فكرة كلمة لكل مدينة ..لكل شخص .. يا ترى ماهي كلمتي ؟
- كلمة انتظر الوقت الذي سأستخدمها فيه: "Per chi?? لمن مررت تلك الكرة ألبرتيني ؟ ما من احد هناك ! "
---------------------
صلاة | الهند \ 36 حكاية عن السعي إلى التأمل :
المعتزل ...السنسكريتية ...المانترا .. ..كلا, بصراحة هذا الفصل اكبر مني ! الكثير من المعلومات عن اليوكَا والتأمل والصلوات .. تجارب رائعة عاشتها اليزابيث هناك ... لم يكن الأمر مجرد تأمل. التغييرالشامل , التخلي عن الأفكار التي تحوم في رأسها , تضارب المشاعر ... صعوبة بالغة تجاوزتها بمساعدة اصدقائها من مختلف الجنسيات وخاصة ريتشارد, ولا أنسى الشاعر/السبّاك لعب دورًا رائعًا في حياة اليزابيث و" تعليماته للحرية " ...
الفصل كان قاسيًا جدًا .. إلا أنه أتى بثماره
لم انتبه لذلك ! كنت اظنه الحب فقط ..
" التقيتُ مرة بامرأة عجوز تبلغ مئة عام تقريبًا, قالت لي : " ثمّة مسألتان تحارب البشر بسببهما عبر التاريخ : كم تحبني ؟ ومن يملك زمام القيادة ؟" . كل الباقي يمكن تدبّره. ولكن مسألتيّ الحب والسلطة تشغلاننا جميعًا, توقعاننا في الخطأ وتسببان الحرب والحزن والعذاب. "
- لا أعلم سبب ضحكي بصوت عال حينما أقرأ مصاعبها ووصف شعورها في ( الغوروجيتا ).. هل انا مصابة بشيء ما ؟
-شجاعتها في مجابهة هجوم البعوض .. سرحتُ كثيرًا محاولةً تخيل نفسي هناك ... لقد أرادت أن تتغير , لم تكن نفسها في ذلك الموقف.
- ومحاولة دفع نفسها إلى الأمام بقدر استطاعتها أحببتُ ذلك القول :
"أريد القيام بذلك , لا بل أحتاج إليه, لاستعادة قوتي . Devo farmi le ossa , هكذا تقال بالإيطالية : عليَّ أن أبني عظامي "
---------------------
حب | اندونيسيا \ 36 حكاية عن السعي إلى التوازن :
لم أحب هذا الفصل !!
الأشياء الجميلة هي : مع الكاهن العجوز , توتّي , يوداي .. مع بعض الاحداث البسيطة في أول الفصل ونهايته ..
فمع الأول :" لماذا يبدون بهذه الجدّية في اليوكَا ؟ فهذه التعابير الجادّة تخيف الطاقة الجيدة . للتأمّل, ليس عليك سوى الابتسام. ابتسمي بوجهك, ابتسمي بعقلك, والطاقة الجيدةستأتي إليك وتزيل الطاقة القذرة. ابتسمي حتى بكبدك. "
ومع توتّي, أجمل بلاطة زرقاء يمكن تخيلها .. احبّ هذه الفتاة الذكية, الحالمة
لـ يوداي " دراما " حزينة , لكني اتحدث عن الرحلة ( الأمريكية-الاندونيسية ) التي قاما بها .. وددتُ جوّهم يقترب مني على الأقل !
-الطبيعة الخلابة التي تحيط منزلها في اندونيسيا ..بل انها في جزيرة لها فقط . قرأت وصفها عدة مرات .. ما أروعه! وفكرة تسمية الأزهار كما تراهم اود تجربتها :" شجرة النرجس الأصفر , نخلة الملفوف , طحالب فستان الزهرة, برعم الاصبع ..... "
- ومبدأ " القوة الجميلة " , الاخوة الاربعة " أنا لاغو برانو تعني الجسد السعيد " ..... اشياء جميلة وطريفة
- الجزء الأكبر كان مع فيليبه - فيليه كما احب xp - بالنسبة لي كانت صفحاته كابوس .. فلتحذروا !!
- كم أحب ذلك الطفل المزعج ذو التاسعة المتحدث بالانكَليزية قرب انتهاء رحلتها في اندونيسيا .. ضحكتُ كثيرًا شكرًا لك ..
ثرثرة :
- الساعة الرابعة واكثر من النصف ... فجرًا !!
- كنتُ ارغب بشدة في النسخة الانكَليزية - تعلمون ذلك الشعور حينما تفخرون أنه الكتاب الأصلي - إلا اني لم أجد سوى النسخة العربية أخذتها وأنا مترددة كثيرًا .. لكني الان ممتنة لذلك ...
- مجريات رحلتها بأكملها جميل جدًا .. وكونها مترابطة يصعب حصر ذلك .
- الترجمة رائعة - المترجمة زينة ادريس- الا أنها فقط لو تخلّت عن ترجمة بعض الصفحات الغير ضرورية !!
كما لاحظت بعض الحكايات توضع تحت الرقم :( ... ) إن كان احترامًا للقارئ العربي فشكرًا جزيلاً !
- اضطررت لقراءة الكتاب مرة أخرى لكي اكتب عنه .. متعب جدًا, لن أكرر الخطأ مجددًا بإذن الله ..
- من لا يود كتابة سيرته الذاتية أو رحلته للبحث عن ذاته في كتاب, بعد قراءة تجربتها ؟ ما أسعدها !
اتمنى أني أفدتكم .. شكرًا لوقتكم الثمين
هناك 4 تعليقات:
توازن!!..
هذا ما فعله بروحي الكتاب..
وكأن للكلمات مسحوق سحريّ.. يجعلنا نتوقف على عتبات الجمل واعادة قراءتها للمرة المليون!!..
أحببت السلام النفسي.. الذي توصلت اليه اليزابيث... وطريقها الطويلة المشبعة للوصول اليه...
لن أُطيل الحديث اكثر.. اذ انها زيارتي الأولى لمدونتك :)
انتقاءٌ رائع..
دُمتِ بخير..
قبل فترة تكلمت "باختصار" عن الكتاب و أيضا ً عن الفيلم الذي جسده
لم يعجبني الفيلم أبدا ً و أسرني الكتاب!
عرض جميل أشكرك عليه
علا وتد .. أهلاً بكِ في أي وقت أسعدني مشاركتنا رأيك .. فعلاً هذا ما ترك لنا هذا الكتاب الرائع ..
استطاعت صنع سعادتها أخيرًا .. وربما نحن أيضًا..
كلا أطيلي :),صندوق التعليق ومدونتي تسع حروفك الجميلة ..
شكرًا وأنتِ كوني كذلك أيضًا ..
----
أخي هيثم ..
حقًا! جميل جدًا قد أقرأ رأيك يومًا ..
بينما انا لم أحمّل عينيّ عناء مشاهدته :) لطالما قلل الفن السابع قيمة النص الأصلي..
العفو .. أهلاً بك في أي وقت
:)
إرسال تعليق